تامر عبد الحميد (أبوظبي)

يشهد الموسم الغنائي لصيف 2019 غياباً للألبومات الفنية، رغم إعلان مجموعة من المطربين عن التحضير لألبوماتهم الجديدة، إلا أنه وحتى الآن لم يتم إصدار أي منها، وعوض العديد من المطربين، في الآونة الأخيرة، ظاهرة اختفاء الألبومات تقريباً، على عكس إنتاج وإصدار عدد كبير من الأعمال الغنائية في السنوات السابقة، بإطلاق أشكال فنية غنائية جديدة هي الـ«ميني ألبوم»، و«الأغاني المنفردة» (السينجل)، خصوصاً أن الفضاء الرقمي أصبح مسيطراً على أقطاب المشاهدة وذائقة المشاهدين، ويحقق انتشاراً أسرع ونجاحاً أكبر للأغنية.

عناصر بديلة
يأتي التطور التكنولوجي ليكون أحد العوامل الرئيسة لغياب الألبوم، إلى جانب الأزمات التي تعرضت لها العديد من الدول العربية، خاصةً على الجانب الاقتصادي، والذي أثر سلباً على إنتاج الألبومات، فنجد حالياً أن المستمع للأغنيات أصبح له عناصر بديلة لسماع الأغاني، عوضاً عن الكاسيت والسي دي - «القرص المدمج»، وتلاشي أيضاً وجود الأجهزة نفسها التي كانت تعمل على تشغيلهما، خصوصاً مع ظهور مواقع غنائية وتطبيقات موسيقية، ساعدت على تحميل الأغاني، وسماعها عن طريق الأجهزة اللوحية أو استخدام الـUSB، في أي مكان وزمان.
على جانب آخر، واصل بعض المطربين طرح ألبوماتهم في السوق الغنائي عام 2019، للحفاظ على جماهيريتهم ومكانتهم الفنية، رغم اقتناعهم بحالة الركود الفني الذي يعانيه حضور الألبوم، مثل شيرين عبد الوهاب، التي طرحت «نساي»، وأنغام «حالة خاصة جداً»، وأسما لمنور «أوساط النجوم»، ومحمد حماقي «كل يوم من ده»، وعبد الله الرويشد «الرويشد 2019»، إلى جانب ألبومات أخرى طرحت في أواخر 2018 لعمرو دياب «كل حياتي»، وتامر حسني «عيش بشوقك»، ورغم أنها أنعشت السوق، إلا أن بعض أرقام توزيعها جاءت مخيبة للآمال، وما حقق منها نجاحاً كبيراً الأعمال التي صورت على طريقة الفيديو كليب.

قراصنة الإنترنت
وحول ما يعانيه سوق الألبومات، يوضح الفنان والملحن، فايز السعيد، أن السوق الغنائية مرت بالعديد من المتغيرات عبر السنوات الماضية، ما جعلها تتأثر إلى حد كبير، ويضعف من أسهمها وحضورها، بدءاً من الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة واستحداث قراصنة الإنترنت أساليب حرفية وجديدة، من أجل سرقة الأغنيات وتحميلها على المواقع الإلكترونية الغنائية، وانتهاءً بالأزمات التي تعصف ببعض البلدان العربية، والتي أثرت في العملية الفنية الغنائية بشكل عام.
ويضيف السعيد: أعتقد أن إصدار ألبوم غنائي، سواء من إنتاج شركة فنية أو بشكل خاص من الفنان نفسه، هو عملية مهمة تسهم في عدم انقراض الألبومات، ومن جهة أخرى هي أرشيف حقيقي للفنان، لكن بالنسبة للمطرب الذي ليس لديه عقد مع إحدى الشركات الفنية، فسيكون من الصعب عليه إنتاج ألبوم بشكل منتظم، خصوصاً أنه عال التكاليف، ويحتاج إلى فترة تحضير طويلة، لذا فهو يعوّض ذلك بحضوره بأغنيات منفردة، يصدرها على موقع «يوتيوب» والـ«سوشيال ميديا»، وبعد النجاح والانتشار الكبير الذي تحقق للأغنيات، عن طريق هذه الوسائل المستحدثة، فتحت شهية الجميع على الدخول في هذا الفضاء الواسع، الذي أصبح هو أساس نجاح العمل الفني من عدمه.

أرقام قياسية
الفنانة أريام، التي أطلقت مؤخراً أغنية «سينجل» عاطفية جديدة، بعنوان «مكتمل كلك»، في عيد الفطر الماضي، من كلمات الشاعر سعيد بن مصلح الأحبابي، وألحان فايز السعيد، ترى أن أغاني «السينجل»، أو إصدار ألبومات «الميني»، لا يهددان الألبومات الغنائية، وقالت: رغم الأرقام القياسية التي تحققها الأغنيات المنفردة على مواقع التواصل، وموقع «يوتيوب»، والمواقع الغنائية الأخرى مثل «أنغامي» وغيره، وأيضاً اتجاه بعض المطربين لإصدار «ميني ألبوم»، الذي يضم عدداً قليلاً من الأغنيات، إلا أن ذلك لا يؤثر على حضور الألبومات، لاسيما أنها التوثيق والأرشيف الحقيقي للفنان، موضحة أنها إحدى الفنانات التي انتهجت سياسة إنتاج الأغنيات المنفردة وعلى نفقتها الخاصة، لأنها تحقق النجاح والانتشار الأكبر، على عكس الألبوم الذي يضم عدداً كبيراً من الأغنيات، ولا تحقق منه النجاح المنتظر إلا أغنية أو اثنتين، معتقدةً أن هذا الأمر هو ما جعل بعض المطربين يتجهون لإصدار الأغنيات المنفردة.

خسائر فادحة
أما بالنسبة لشركات الإنتاج، وضعف إصدار الألبومات مثل السابق، تشير أريام إلى وجود العديد من العوامل الذي أثرت في العملية الإنتاجية، من أبرزها القرصنة أو «الشبكة العنكبوتية»، التي تسببت في خسائر فادحة لشركات الإنتاج وللفنان نفسه، بسبب سرقة الألبومات والأغنيات وطرحها عبر المواقع الغنائية، ما جعل العديد من المطربين يتجهون لإصدار الأغنيات المنفردة، وطرحها عبر قناتهم الرسمية بالـ«يوتيوب»، حيث إنه يصعب سرقتها.
وتوضح أريام أن الحفلات والمهرجانات الغنائية تمثل مقياساً حقيقياً للنجاح الذي يحققه المطرب من خلال أغنياته، خصوصاً أن التفاعل الذي يتم بين الجمهور والفنان على خشبة المسرح، خلال الحفل الغنائي، يعبر عما حققه من نجاحات، ويجدد جو الألفة والمحبة والود بينهم.

تحميل مجاني
هزاع الرئيسي، الذي أصدر في الفترة الماضية، العديد من الأغنيات المنفردة، كان آخرها أغنية بعنوان «عيدكم مبارك»، والتي أهداها لجمهوره بمناسبة عيد الفطر الماضي، يوضح أن سوق الألبومات من المتوقع انهياره خلال السنوات المقبلة، نظراً للتقدم والتطور التكنولوجي الرهيب الذي نعيشه، والمواقع الغنائية التي أصبحت تحقق نجاحاً للأغنيات بشكل يفوق التوقعات، لدرجة اتجاه بعض المطربين لإنتاج أعمالهم الغنائية وطرحها عبر هذه المواقع فقط، خصوصاً مع ضعف اتجاه الجمهور لشراء الألبومات، لاسيما أن لديهم اختياراً آخر، وهو تحميل أغنيات بشكل مجاني عن طريق المواقع الإلكترونية الفنية، أو شرائها بأسعار أقل من مواقع غنائية أخرى، أو مشاهدتها فيديو كليب عبر موقع «يوتيوب».
ويلفت الرئيسي إلى أنه في ظل هذا التطور التكنولوجي باتت القرصنة لا تؤثر على عملية الإنتاج، وخف صداها عن السابق بكثير، خصوصاً أن الفنان نفسه أصبح يستطيع الترويج لأعماله الغنائية، بعيداً عن شركات الإنتاج نفسها، عبر حساباته الرسمية بمواقع التواصل أو «يوتيوب»، منوهاً إلى أن السوق الغنائي في دول الخليج تحديداً لا تتأثر كثيراً بمسألة عدم حضور الألبومات أو تحقيقها الأرباح، خاصة وأن الحفلات والأعراس والمشاركة في المهرجانات الموسيقية تأتي تعويضاً له عن الأرباح التي يحققها الألبوم نفسه.

مواكبة التطور
من جهتها، أكدت الفنانة رويدا المحروقي، التي طرحت مؤخراً أغنية منفردة، عبر قناتها الرسمية بالـ«يوتيوب» وحساباتها بمواقع التواصل، بعنوان «بحب نفسي»، أن الأغنيات الـ«سينجل» أسهل في التنفيذ وأسرع في الانتشار من تجهيز ألبوم يضم 10 أغنيات أو أكثر، إضافة إلى نسبة المشاهدة العالية التي تحققها الأغنية بتصوريها فيديو كليب، الأمر الذي جعلها في الآونة الأخيرة أن تهتم بتنفيذ الأغنيات المنفردة، رغم أنها تعلم جيداً أن مواصلة الفنان في طرح ألبومات في مواعيد ثابتة من كل عام يحافظ على جماهيريته ومكانته الفنية في سوق الألبومات، لكن عزوف الجمهور عن شراء الألبومات، والحضور القوي الذي تحققه المواقع الغنائية عبر الإنترنت، أصبح بديلاً وبشكل قوي عن شراء الألبوم وسماع أغنياته، ما جعل عدد من المطربين يتجهون لهذه السياسة الفنية لمواكبة التطورات وعصر التكنولوجيا الحديثة.

مجرد ذكريات
أشارت ديانا حداد إلى أنه في السابق كان الجمهور ينتظر صدور ألبوم فنانهم المفضل بفارغ الصبر، وبمجرد الإعلان عن صدور الألبوم يسرع الجمهور لشرائه، لدرجة أن هناك العديد من الألبومات نفدت النسخة الأولى من إصدارها في وقت قياسي، وقررت الشركة المنتجة إصدار نسخة ثانية منه نظراً للإقبال الجماهيري الكبير، موضحة أنه في وقتنا هذا أصبح الأمر مجرد ذكريات، مع وجود التكنولوجيا الحديثة التي وفرت تنفيذ وإصدار الأغنيات وعرضها على قنوات ومواقع، تحقق أرباحاً وشهرة وانتشاراً أسرع وأكبر من الألبوم.